بالتأكيد. هذه هي النسخة النهائية والمُثراة، التي تدمج الشروحات النظرية المعمقة مع الأمثلة العددية والبراهين المفصلة، لتكون المرجع الأكثر شمولية وتكاملاً للطالب.
المرجع الشامل والمدعّم بالأمثلة: تطور جملة ميكانيكية
هذا الدرس يغطي كامل وحدة “تطور جملة ميكانيكية”، ويهدف إلى بناء فهم عميق يجمع بين المفاهيم الفيزيائية، البراهين الرياضية، والتطبيقات العملية.
الدرس الأول: من الميكانيك الكلاسيكي إلى قوانين نيوتن
1. السياق التاريخي: ثورة في فهم الكون
الفكر الأرسطي القديم: ساد الاعتقاد بأن الحالة الطبيعية للأجسام هي السكون، وأن أي حركة تتطلب وجود “قوة” مستمرة للحفاظ عليها. إذا توقفت القوة، توقفت الحركة. ثورة غاليليو: من خلال تجاربه الفكرية والعملية، أدرك غاليليو المبدأ الأساسي للعطالة (القصور الذاتي). لقد فهم أن القوة ليست ضرورية للحفاظ على الحركة، بل لتغييرها. الجسم المتحرك سيبقى متحركاً ما لم تمنعه قوة (مثل الاحتكاك). تتويج نيوتن: قام إسحاق نيوتن بصياغة هذه الأفكار في إطار رياضي دقيق ومتكامل. لقد وحّد بين الميكانيك الأرضي (حركة الأجسام على الأرض) والميكانيك السماوي (حركة الكواكب)، مبيّناً أن نفس القوانين الفيزيائية تسري على الكون بأسره.
2. المفاهيم الأساسية: أدوات العمل
- الجملة الميكانيكية: هي الجسم (أو مجموعة الأجسام) الذي نعزله فكرياً عن بقية الكون لدراسة تأثير القوى الخارجية عليه.
- مركز العطالة (G): هو نقطة فريدة من الجملة، يمكننا اختزال حركة الجملة الانتقالية كلها في حركة هذه النقطة. هذا المفهوم يسمح لنا بمعاملة أجسام معقدة (سيارة، كوكب) كنقطة مادية واحدة، مما يبسط الدراسة بشكل كبير.
- المرجع العطالي (الغاليلي): هو شرط أساسي لتطبيق قوانين نيوتن. لماذا؟ لأن قوانين نيوتن تصف الحركة الناتجة عن القوى الحقيقية (تجاذب، تلامس، …). في مرجع متسارع (مثل سيارة تنطلق أو تدور)، تظهر “قوى وهمية” (مثل قوة الطرد المركزي) ليست ناتجة عن تفاعل حقيقي، بل عن تسارع المرجع نفسه. لذا، نختار مراجعاً لا تتسارع (ساكنة أو تتحرك بحركة مستقيمة منتظمة) لتبقى قوانين نيوتن بسيطة وصحيحة.
3. قوانين نيوتن الثلاثة: دستور الحركة
القانون الأول (مبدأ العطالة)
في مرجع عطالي، كل جسم يحافظ على سكونه أو حركته المستقيمة المنتظمة إذا لم تؤثر عليه قوة خارجية تغير من حالته الحركية. الشرح الفيزيائي: هذا القانون هو تعريف مزدوج للقوة والمرجع العطالي. هو يخبرنا أن الأجسام بطبيعتها “كسولة” أو “قاصرة” عن تغيير حركتها. إذا رأينا جسماً يتسارع، يجب أن نبحث عن السبب: قوة محصلة غير معدومة.
القانون الثاني (المبدأ الأساسي للتحريك - علاقة نيوتن)
في مرجع عطالي، المجموع الشعاعي للقوى الخارجية المطبقة على جملة مادية يساوي في كل لحظة جداء كتلتها في شعاع تسارع مركز عطالتها. الشرح الفيزيائي: هذا القانون هو قلب الميكانيك الكلاسيكي. هو يحدد كمياً كيف تستجيب الأجسام للقوى.
- العلاقة الشعاعية: اتجاه التسارع يكون دائماً في نفس اتجاه القوة المحصلة (المجموع الشعاعي لكل القوى).
- الكتلة (): هي مقياس لعطالة الجسم، أي مدى “مقاومته” للتسارع. لجعل جسم كتلته كبيرة يتسارع بنفس مقدار تسارع جسم كتلته صغيرة، نحتاج إلى قوة أكبر بكثير.
القانون الثالث (مبدأ الفعلين المتبادلين)
عندما تؤثر جملة (A) على جملة (B) بقوة ، فإن الجملة (B) تؤثر حتماً على الجملة (A) بقوة . الشرح الفيزيائي: هذا القانون يؤكد أن القوى هي نتيجة تفاعل متبادل. من المستحيل أن تؤثر بقوة على جدار دون أن يؤثر الجدار عليك بنفس القوة. نقطة هامة جداً: قوتي الفعل ورد الفعل تؤثران على جسمين مختلفين، لذا لا يمكنهما إلغاء بعضهما البعض عند دراسة حركة جسم واحد.
الدرس الثاني: حركة الكواكب والأقمار الاصطناعية
1. قانون الجذب العام لنيوتن
الشرح الفيزيائي: كانت عبقرية نيوتن في إدراكه أن القوة التي تجعل التفاحة تسقط هي نفسها القوة التي تبقي القمر في مداره حول الأرض. إنها قوة كونية شاملة. هي قوة جاذبة دائماً، وتضعف بشدة مع المسافة (قانون التربيع العكسي). هذا الضعف السريع هو ما يجعل تأثير الكواكب البعيدة علينا مهملًا.
2. قوانين كيبلر الثلاثة
الشرح الفيزيائي: كانت قوانين كيبلر وصفية (تجريبية). جاء نيوتن وقدم التفسير الفيزيائي لها:
- قانون المسارات (الإهليلجية): أثبت نيوتن رياضياً أن أي جسم يتحرك تحت تأثير قوة تتناسب عكسياً مع مربع المسافة () يجب أن يتبع مساراً على شكل قطع مخروطي (دائرة، إهليلج، قطع مكافئ، أو قطع زائد).
- قانون المساحات: هذا القانون هو نتيجة مباشرة لمبدأ فيزيائي أعمق وهو حفظ الزخم الزاوي. بما أن قوة الجذب تتجه دائماً نحو الشمس، فهي لا تستطيع تغيير “كمية الدوران” (الزخم الزاوي) للكوكب. ولكي تبقى هذه الكمية ثابتة، يجب أن تزداد سرعة الكوكب عندما يقترب من الشمس، وتنقص عندما يبتعد.
- قانون الأدوار: سمح قانون نيوتن الثاني وقانون الجذب العام بإثبات هذا القانون، والأهم من ذلك، حساب الثابت . هذا أعطى البشرية لأول مرة طريقة لحساب كتلة الشمس والكواكب والأجرام السماوية الأخرى.
3. تطبيق: حركة دائرية منتظمة لقمر اصطناعي
الشرح الفيزيائي: لماذا لا يسقط القمر الاصطناعي؟ في الحقيقة، هو في حالة سقوط دائم. تخيل أنك تقذف حجراً أفقياً من قمة جبل عالٍ. كلما زادت السرعة، سقط الحجر أبعد. عند سرعة معينة، يصبح انحناء مسار الحجر مساوياً لانحناء سطح الأرض. في هذه الحالة، “يسقط” الحجر حول الأرض دون أن يقترب منها أبداً. هذه هي فكرة المدار. الحركة المدارية هي توازن مثالي بين القصور الذاتي للقمر (الذي يدفعه للحركة في خط مستقيم) وقوة الجذب (التي تشده باستمرار نحو المركز).
البرهان المفصّل خطوة بخطوة لعبارة السرعة والدور
- تحديد عناصر الدراسة:
- الجملة: قمر اصطناعي.
- المرجع: جيومركزي (عطالي).
- القوى المؤثرة: قوة الجذب العام للأرض فقط.
- تطبيق القانون الثاني لنيوتن:
- الدراسة في معلم فريني (المحور الناظمي):
- الحركة دائرية منتظمة، إذن التسارع ناظمي وموجه نحو المركز: .
- بالإسقاط على المحور الناظمي الموجه نحو مركز الأرض:
- تعويض عبارتي القوة والتسارع:
- استنتاج عبارة السرعة المدارية ():
- استنتاج عبارة الدور المداري ():
مثال تطبيقي: حساب كتلة الشمس
علماً أن الأرض تدور حول الشمس في مدار نصف قطره ، وأن دورها هو . المطلوب: حساب كتلة الشمس .
- تحويل الدور إلى الثواني:
- نبدأ من علاقة الدور المداري:
- نعزل كتلة الشمس :
- نعوض عددياً:
الدرس الثالث: دراسة حركة السقوط الشاقولي لجسم صلب
1. السقوط الحر
الشرح الفيزيائي: هو حالة مثالية ندرسها كخط أساس. في الواقع، لا يمكن تحقيق السقوط الحر تماماً قرب الأرض إلا في حيز مفرغ من الهواء. أهميته تكمن في أنه يوضح أن الجاذبية تمنح جميع الأجسام نفس التسارع ()، بغض النظر عن كتلتها أو شكلها.
2. السقوط الحقيقي (في الهواء)
الشرح الفيزيائي: عند حركة جسم في مائع (كالهواء)، تنشأ قوى مقاومة.
- دافعة أرخميدس (): سببها أن ضغط الهواء في الأسفل أكبر بقليل من ضغطه في الأعلى. هذه القوة مهمة فقط للأجسام ذات الكثافة المنخفضة جداً (مثل بالون الهيليوم).
- قوة الاحتكاك (): هي القوة الأهم. تنشأ عن تصادم الجسم مع جزيئات الهواء. كلما زادت سرعة الجسم، زادت وتيرة وقوة هذه التصادمات، وبالتالي تزداد قوة الاحتكاك.
3. المعادلة التفاضلية للحركة وسلوك النظام
الشرح الفيزيائي: المعادلة التفاضلية تصف لنا “المعركة” بين القوى.
- المرحلة الانتقالية: في البداية ()، تكون قوة الاحتكاك معدومة وتكون قوة الثقل هي المسيطرة، فيكون التسارع كبيراً. مع ازدياد السرعة، تزداد قوة الاحتكاك وتعمل كـ “فرامل” تقلل من القوة المحصلة، وبالتالي يتناقص التسارع تدريجياً.
- المرحلة الدائمة (السرعة الحدية): تستمر السرعة في الزيادة حتى تصل إلى نقطة “التوازن” حيث تصبح قوة الاحتكاك (مضافة إليها دافعة أرخميدس) مساوية تماماً لقوة الثقل. عند هذه النقطة، تصبح القوة المحصلة صفراً (). حسب القانون الأول لنيوتن، يتوقف التسارع () وتستقر السرعة عند قيمة ثابتة هي السرعة الحدية.
مثال تطبيقي: قطرة مطر
قطرة مطر كروية نصف قطرها mm وكتلتها الحجمية kg/m³. تسقط في الهواء حيث kg/m³ وثابت الاحتكاك kg/s. نأخذ N/kg. المطلوب: حساب السرعة الحدية.
- نحسب كتلة القطرة :
- نحسب قوة الثقل :
- نحسب شدة دافعة أرخميدس :
- نحسب السرعة الحدية:
الدرس الرابع: دراسة حركة القذيفة
الشرح الفيزيائي: المبدأ الأساسي هنا هو استقلالية الحركتين. الجاذبية تؤثر فقط في الاتجاه الشاقولي. لا توجد أي قوة (في نموذجنا المثالي) تؤثر في الاتجاه الأفقي. هذا يعني أننا نستطيع تحليل ما يحدث أفقياً بمعزل تام عما يحدث شاقولياً، والرابط الوحيد بينهما هو الزمن.
- الحركة الأفقية: بما أنه لا توجد قوة أفقية، فإن التسارع الأفقي معدوم (). وبالتالي، فإن السرعة الأفقية ثابتة طوال الرحلة ().
- الحركة الشاقولية: الجسم يخضع لتسارع الجاذبية الثابت نحو الأسفل (). هذه الحركة مطابقة تماماً لحركة جسم يُرمى شاقولياً للأعلى ويعود ليسقط. المسار المنحني (القطع المكافئ) الذي نراه هو التركيب البصري لهاتين الحركتين البسيطتين.
البرهان بالتكامل لإيجاد معادلات الحركة
- التسارع:
- السرعة (بتكامل التسارع وتطبيق الشروط الابتدائية):
- الموضع (بتكامل السرعة وتطبيق الشروط الابتدائية):
معادلة المسار
مثال تطبيقي: لاعب كرة سلة
يرمي لاعب كرة سلة الكرة بسرعة من ارتفاع m. تبعد السلة مسافة أفقية m وترتفع m. زاوية الرمي هي . المطلوب: ما هي السرعة الابتدائية اللازمة؟ ( m/s²)
- نكتب معادلة المسار مع الارتفاع الابتدائي:
- نطبق شرط الإصابة: الكرة يجب أن تمر بالنقطة .
- نعزل المجهول :
الدرس الخامس: حدود ميكانيك نيوتن
الشرح الفيزيائي: كل نظرية في الفيزياء هي “نموذج” يصف الواقع ضمن شروط معينة. ميكانيك نيوتن هو نموذج ناجح بشكل مذهل، لكنه ليس الكلمة النهائية. لقد اكتشفنا أن هذا النموذج يصبح غير دقيق عندما نصل إلى حدود التجربة الإنسانية المعتادة.
- عالم الصغائر (ميكانيكا الكم): عندما نتعامل مع جسيمات صغيرة جداً كالإلكترونات، تظهر خصائص غريبة لا يمكن تفسيرها كلاسيكياً. تفقد الجسيمات هويتها كـ “كرات” صغيرة وتكتسب طبيعة موجية. مبدأ الارتياب لهايزنبرغ يمنعنا من قياس موضع وسرعة جسيم بدقة مطلقة في نفس الوقت، مما يجعل مفهوم “المسار” الدقيق بلا معنى.
- عالم السرعات الفائقة والجاذبية القوية (نظرية النسبية):
- النسبية الخاصة: اكتشف أينشتاين أن سرعة الضوء في الفراغ ثابتة لكل الملاحظين، بغض النظر عن حركتهم. هذا الاكتشاف البسيط له عواقب ثورية: الزمان والمكان ليسا مطلقين، بل نسبيين. الزمن يتباطأ للأجسام المتحركة بسرعة، وتتقلص أطوالها، وتزداد كتلتها.
- النسبية العامة: هي نظرية أينشتاين للجاذبية. هي تصف الجاذبية ليس كقوة، بل كانحناء في نسيج الزمكان نفسه تسببه الكتلة والطاقة. الأجسام تتبع مسارات “مستقيمة” في هذا الزمكان المنحني، وهو ما نراه نحن كمدارات جاذبية. هذه النظرية ضرورية لفهم الثقوب السوداء وتوسع الكون، ولها تطبيقات عملية مثل أنظمة الـ GPS التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تباطؤ الزمن النسبي لتعمل بدقة.